فصل: فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ خَوْلَانَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي فَزَارَةَ:

قَالَ أَبُو الرّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ فِي كِتَابِ الِاكْتِفَاءِ: وَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَبُوكَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْحُرّ بْنُ قَيْسٍ ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ فَنَزَلُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَجَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقِرّينَ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ مُسْنِتُونَ عَلَى رِكَابٍ عِجَافٍ فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بِلَادِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا وَغَرِثَ عِيَالُنَا فَادْعُ لَنَا رَبّك يُغِيثُنَا وَاشْفَعْ لَنَا إلَى رَبّك وَلْيَشْفَعْ لَنَا رَبّك إلَيْك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُبْحَانَ اللّهِ وَيْلَكَ هَذَا إنّمَا شَفَعْتُ إلَى رَبّي عَزّ وَجَلّ فَمَنْ الّذِي يَشْفَعُ رَبّنَا إلَيْهِ؟ لَا إلَهَ إلّا هُوَ الْعَظِيمُ وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهِيَ تَئِطّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ كَمَا يَئِطّ الرّحْلُ الْجَدِيدُ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَضْحَكُ مِنْ شَغَفِكُمْ وَأَزْلِكُمْ وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ يَا رَسُولَ اللّهِ وَيَضْحَكُ رَبّنَا عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبّ يَضْحَكُ خَيْرًا فَضَحِكَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَتَكَلّمَ بِكَلِمَاتٍ وَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الدّعَاءِ إلّا رَفْعَ الِاسْتِسْقَاءِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى رُئِيَ بَيَاضُ إبِطَيْهِ وَكَانَ مِمّا حُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ اللّهُمّ اسْقِ بِلَادَك وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيّتَ اللّهُمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارّ اللّهُمّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ وَلَا مَحْقٍ اللّهُمّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي أَسَدٍ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي أَسَدٍ عَشَرَةُ رَهْطٍ فِيهِمْ وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ وَطَلْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَتَكَلّمُوا فَقَالَ مُتَكَلّمُهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا شَهِدْنَا أَنّ اللّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنّك عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَجِئْنَاك يَا رَسُولَ اللّهِ وَلَمْ تَبْعَثْ إلَيْنَا بَعْثًا وَنَحْنُ لِمَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ {يَمُنّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنّوا عَلَيّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْحُجُرَاتِ 17] وَكَانَ مِمّا سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ الْعِيَافَةُ وَالْكَهَانَةُ وَضَرْبُ الْحَصَى فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذِهِ أُمُورٌ كُنّا نَفْعَلُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ أَرَأَيْتَ خَصْلَةً بَقِيَتْ؟ قَالَ وَمَا هِيَ؟ قَالُوا: الْخَطّ. قَالَ عُلّمَهُ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَمَنْ صَادَفَ مِثْلَ عِلْمِهِ عَلِمَ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَهْرَاءَ:

ذَكَرَ الْوَاقِدِيّ عَنْ كَرِيمَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ قَالَتْ سَمِعْت أُمّي ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ بَهْرَاءَ مِنْ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْبَلُوا يَقُودُونَ رَوَاحِلَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَابِ الْمِقْدَادِ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا بِبَنِي حُدَيْلَةَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ الْمِقْدَادُ فَرَحّبَ بِهِمْ فَأَنْزَلَهُمْ وَجَاءَهُمْ بِجَفْنَةٍ مِنْ حَيْسٍ قَدْ كُنّا هَيّأْنَاهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلّوا لِنَجْلِسَ عَلَيْهَا فَحَمَلَهَا الْمِقْدَادُ وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى الطّعَامِ فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتّى نَهِلُوا وَرُدّتْ إلَيْنَا الْقَصْعَةُ وَفِيهَا أُكَلٌ فَجَمَعْنَا تِلْكَ الْأُكَلَ فِي قَصْعَةٍ صَغِيرَةٍ ثُمّ بَعَثْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ سِدْرَةَ مَوْلَاتِي فَوَجَدَتْهُ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضُبَاعَةُ أَرْسَلَتْ بِهَذَا؟ قَالَتْ سِدْرَةُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ ضَعِي ثُمّ قَالَ مَا فَعَلَ ضَيْفُ أَبِي مَعْبَدٍ؟ قُلْتُ عِنْدَنَا قَالَتْ فَأَصَابَ مِنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُكَلًا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ حَتّى نَهِلُوا وَأَكَلَتْ مَعَهُمْ سِدْرَةُ ثُمّ قَالَ اذْهَبِي بِمَا بَقِيَ إلَى ضَيْفِكُمْ قَالَتْ سِدْرَةُ فَرَجَعْت بِمَا بَقِيَ فِي الْقَصْعَةِ إلَى مَوْلَاتِي قَالَتْ فَأَكَلَ مِنْهَا الضّيْفُ مَا أَقَامُوا نُرَدّدُهَا عَلَيْهِمْ وَمَا تَغِيضُ حَتّى جَعَلَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ يَا أَبَا مَعْبَدٍ إنّك لَتَنْهَلُنَا مِنْ أَحَبّ الطّعَامِ إلَيْنَا مَا كُنّا نَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إلّا فِي الْحِينِ وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ الطّعَامَ بِبِلَادِكُمْ إنّمَا هُوَ الْعُلْقَةُ أَوْ نَحْوُهُ وَنَحْنُ عِنْدَك فِي الشّبَعِ فَأَخْبَرَهُمْ أَبُو مَعْبَدٍ بِخَبَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ أَكَلَ مِنْهَا أُكَلًا وَرَدّهَا فَهَذِهِ بَرَكَةُ أَصَابِعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَازْدَادُوا يَقِينًا وَذَلِكَ الّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَعَلّمُوا الْفَرَائِضَ وَأَقَامُوا أَيّامًا ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوَدّعُونَهُ وَأَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزِهِمْ وَانْصَرَفُوا إلَى أَهْلِيهِمْ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ عُذْرَةَ:

وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ عُذْرَةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ جَمْرَةُ بْنُ النّعْمَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ الْقَوْمُ؟ فَقَالَ مُتَكَلّمُهُمْ مَنْ لَا تُنْكِرُهُ نَحْنُ بَنُو عُذْرَةَ إخْوَةُ قُصَيّ لِأُمّهِ نَحْنُ الّذِينَ عَضّدُوا قُصَيّا وَأَزَاحُوا مِنْ بَطْنِ مَكّةَ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ وَلَنَا قَرَابَاتٌ وَأَرْحَامٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْحَبًا بِكُمْ وَأَهْلًا مَا أَعْرَفَنِي بِكُمْ فَأَسْلَمُوا وَبَشّرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِفَتْحِ الشّامِ وَهَرَبِ هِرَقْلَ إلَى مُمْتَنَعٍ مِنْ بِلَادِهِ وَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ سُؤَالِ الْكَاهِنَةِ وَعَنْ الذّبَائِحِ الّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَهَا وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إلّا الْأُضْحِيّةُ فَأَقَامُوا أَيّامًا بِدَارِ رَمْلَةَ ثُمّ انْصَرَفُوا وَقَدْ أُجِيزُوا.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَلِيّ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَلِيّ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ فَأَنْزَلَهُمْ رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْبَلَوِيّ عِنْدَهُ وَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ هَؤُلَاءِ قَوْمِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْحَبًا بِكَ وَبِقَوْمِكَ فَأَسْلَمُوا وَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاكُمْ لِلْإِسْلَامِ فَكُلّ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي النّارِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الضّبِيبِ شَيْخُ الْوَفْدِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ لِي رَغْبَةً فِي الضّيَافَةِ فَهَلْ لِي فِي ذَلِكَ أَجْرٌ؟ قَالَ نَعَمْ وَكُلّ مَعْرُوفٍ صَنَعْتَهُ إلَى غَنِيّ أَوْ فَقِيرٍ فَهُوَ صَدَقَةٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا وَقْتُ الضّيَافَةِ؟ قَالَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلّ لِلضّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَكَ فَيُحْرِجَك قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ الضّالّةَ مِنْ الْغَنَمِ أَجِدُهَا فِي الْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ؟ قَالَ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذّئْبِ قَالَ فَالْبَعِيرُ؟ قَالَ مَا لَك وَلَهُ دَعْهُ حَتّى يَجِدَهُ صَاحِبُهُ قَالَ رُوَيْفِعُ ثُمّ قَامُوا فَرَجَعُوا إلَى مَنْزِلِي فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِي مَنْزِلِي يَحْمِلُ تَمْرًا فَقَالَ اسْتَعِنْ بِهَذَا التّمْرِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فَأَقَامُوا ثَلَاثًا ثُمّ وَدّعُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَجَازَهُمْ وَرَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ.

.فصل حَقّ الضّيْفِ:

فِي هَذِهِ الْقِصّةِ مِنْ الْفِقْهِ إنّ لِلضّيْفِ حَقّا عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِ وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ حَقّ وَاجِبٌ وَتَمَامٌ مُسْتَحَبّ وَصَدَقَةٌ مِنْ الصّدَقَاتِ. فَالْحَقّ الْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَرَاتِبَ الثّلَاثَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتّفَقِ عَلَى صِحّتِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَى يُحْرِجَه.

.جَوَازُ الْتِقَاطِ الْغَنَمِ:

وَفِيهِ جَوَازُ الْتِقَاطِ الْغَنَمِ وَأَنّ الشّاةَ إذْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَهِيَ مِلْكُ الْمُلْتَقِطِ وَاسْتَدَلّ بِهَذَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنّ الشّاةَ وَنَحْوَهَا مِمّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ يُخَيّرُ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَ أَكْلِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ تَرْكِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهَا لَهُ إلّا أَنْ يَظْهَرَ صَاحِبُهَا وَإِذَا كَانَتْ لَهُ خُيّرَ بَيْنَ هَذِهِ الثّلَاثَةِ فَإِذَا ظَهَرَ صَاحِبُهَا دَفَعَهَا إلَيْهِ أَوْ قِيمَتَهَا وَأَمّا مُتَقَدّمُو أَصْحَابِ أَحْمَدَ فَعَلَى خِلَافِ هَذَا. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ لَا يَتَصَرّفُ فِيهَا قَبْلَ الْحَوْلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ وَإِنْ قُلْنَا: يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ. وَنَصّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الشّاةِ يُعَرّفُهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا رَدّهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشّرِيفَانِ لَا يَمْلِكُ الشّاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَضَالّةُ الْغَنَمِ إذَا أَخَذَهَا يُعَرّفُهَا سَنَةً وَهُوَ الْوَاجِبُ فَإِذَا مَضَتْ السّنَةُ وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا كَانَتْ لَهُ وَالْأَوّلُ أَفْقَهُ وَأَقْرَبُ إلَى مَصْلَحَةِ الْمُلْتَقِطِ وَالْمَالِكِ إذْ قَدْ يَكُونُ تَعْرِيفُهَا سَنَةً مُسْتَلْزِمًا لِتَغْرِيمِ مَالِكِهَا أَضْعَافَ قِيمَتِهَا إنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ اسْتَلْزَمَ تَغْرِيمَ الْمُلْتَقِطِ ذَلِكَ وَإِنْ قِيلَ يَدَعُهَا وَلَا يَلْتَقِطُهَا كَانَتْ لِلذّئْبِ وَتَلِفَتْ وَالشّارِعُ لَا يَأْمُرُ بِضَيَاعِ الْمَالِ. فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا الّذِي رَجّحْتُمُوهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ أَحْمَدَ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ وَلِلدّلِيلِ أَيْضًا. أَمّا مُخَالَفَةُ نُصُوصِ أَحْمَدَ فَمِمّا تَقَدّمَ حِكَايَتُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَنَصّ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ فِي مُضْطَرّ وَجَدَ شَاةً مَذْبُوحَةً وَشَاةً مَيّتَةً قَالَ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيّتَةِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ الْمَذْبُوحَةِ الْمَيّتَةُ أُحِلّتْ وَالْمَذْبُوحَةُ لَهَا صَاحِبٌ قَدْ ذَبَحَهَا يُرِيدُ أَنْ يُعَرّفَهَا وَيَطْلُبَ صَاحِبَهَا فَإِذَا أَوْجَبَ إبْقَاءَ الْمَذْبُوحَةِ عَلَى حَالِهَا فَإِبْقَاءُ الشّاةِ الْحَيّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَأَمّا مُخَالَفَةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَقَدْ تَقَدّمَ وَأَمّا مُخَالَفَةُ الدّلِيلِ فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ضَالّةِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذّئْبِ احْبِسْ عَلَى أَخِيكَ ضَالّتَهُ وَفِي لَفْظٍ رُدّ عَلَى أَخِيكَ ضَالّتَهُ وَهَذَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالذّبْحَ. قِيلَ لَيْسَ فِي نَصّ أَحْمَدَ أَكْثَرُ مِنْ التّعْرِيفِ وَمَنْ يَقُولُ إنّهُ مُخَيّرٌ بَيْنَ أَكْلِهَا وَبَيْعِهَا وَحِفْظِهَا لَا يَقُولُ بِسُقُوطِ التّعْرِيفِ بَلْ يُعَرّفُهَا مَعَ ذَلِكَ وَقَدْ عَرَفَ شِيَتَهَا وَعُلّامَتَهَا فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ. فَقَوْلُ أَحْمَدَ يُعَرّفُهَا أَعَمّ مِنْ تَعْرِيفِهَا الذّمّةِ لِمَصْلَحَةِ صَاحِبِهَا وَمُلْتَقِطِهَا وَلَا سِيّمَا إذَا الْتَقَطَهَا فِي السّفَرِ فَإِنّ فِي إيجَابِ تَعْرِيفِهَا سَنَةً مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقّةِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ الشّارِعُ وَفِي تَرْكِهَا مِنْ تَعْرِيضِهَا لِلْإِضَاعَةِ وَالْهَلَاكِ مَا يُنَافِي أَمْرَهُ بِأَخْذِهَا وَإِخْبَارَهُ إنّهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا كَانَتْ لِلذّئْبِ فَيَتَعَيّنُ وَلَابُدّ إمّا بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا وَإِمّا أَكْلُهَا وَضَمَانُ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا. وَأَمّا مُخَالَفَةُ الْأَصْحَابِ فَاَلّذِي اخْتَارَ التّخْيِيرَ مِنْ أَكْبَرِ أَئِمّةِ الْأَصْحَابِ وَمَنْ يُقَاسُ بِشُيُوخِ الْمَذْهَبِ الْكِبَارِ الْأَجِلّاءِ وَهُوَ أَبُو مُحَمّدٍ الْمَقْدِسِيّ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ فِي اخْتِيَارِهِ التّخْيِيرَ كُلّ الْإِحْسَانِ. وَأَمّا مُخَالَفَةُ الدّلِيلِ فَأَيْنَ فِي الدّلِيلِ الشّرْعِيّ الْمَنْعُ مِنْ التّصَرّفِ فِي الشّاةِ الْمُلْتَقَطَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَفِي السّفَرِ بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَإِيجَابِ تَعْرِيفِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا سَنَةً مَعَ الرّجُوعِ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ؟ هَذَا مَا لَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ فَضْلًا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْبِسْ عَلَى أَخِيكَ ضَالّتَهُ صَرِيحٌ فِي أَنّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَسْتَأْثِرَ بِهَا دُونَهُ وَيُزِيلَ حَقّهُ فَإِذَا كَانَ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا خَيْرًا لَهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا سَنَةً وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَتَغْرِيمِ صَاحِبِهَا أَضْعَافَ قِيمَتِهَا كَانَ حَبْسُهَا وَرَدّهَا عَلَيْهِ هُوَ بِالتّخْيِيرِ الّذِي يَكُونُ لَهُ فِيهِ الْحَظّ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِيهِ بِفَحْوَاهُ وَقُوّتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُ الْبَعِيرِ إلّا أَنْ يَكُونَ فَلْوًا صَغِيرًا:

وَمِنْهَا: أَنّ الْبَعِيرَ لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ اللّهُمّ إلّا أَنْ يَكُونَ فَلْوًا صَغِيرًا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الذّئْبِ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشّاةِ بِتَنْبِيهِ النّصّ وَدَلَالَتِهِ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ ذِي مُرّةَ:

وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ ذِي مُرّةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا رَأْسُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَوْمُك وَعَشِيرَتُك نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي لُؤَيّ بْنِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِلْحَارِثِ أَيْنَ تَرَكْت أَهْلَك؟ قَالَ بِسِلَاحٍ وَمَا وَالَاهَا. قَالَ وَكَيْفَ الْبِلَادُ؟ قَالَ وَاَللّهِ إنّا لَمُسْنِتُونَ مَا فِي الْمَالِ مُخّ فَادْعُ اللّهَ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اسْقِهِمْ الْغَيْثَ فَأَقَامُوا أَيّامًا ثُمّ أَرَادُوا الِانْصِرَافَ إلَى بِلَادِهِمْ فَجَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُوَدّعِينَ لَهُ فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُجِيزَهُمْ فَأَجَازَهُمْ بِعَشْرِ أَوَاقٍ فِضّةً وَفَضَلَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ أَعْطَاهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَرَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ فَوَجَدُوا الْبِلَادَ مَطِيرَةً فَسَأَلُوا: مَتَى مُطِرْتُمْ؟ فَإِذَا هُوَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الّذِي دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَأَخْصَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَادُهُمْ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ خَوْلَانَ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ عَشْرٍ وَفْدُ خَوْلَانَ وَهُمْ عَشَرَةٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِاَللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمُصَدّقُونَ بِرَسُولِهِ وَقَدْ ضَرَبْنَا إلَيْك آبَاطَ الْإِبِلِ وَرَكِبْنَا حُزُونَ الْأَرْضِ وَسُهُولَهَا وَالْمِنّةُ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَيْنَا وَقَدِمْنَا زَائِرِينَ لَك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ مَسِيرِكُمْ إلَيّ فَإِنّ لَكُمْ بِكُلّ خَطْوَةٍ خَطَاهَا بَعِيرُ أَحَدِكُمْ حَسَنَةٌ وَأَمّا قَوْلُكُمْ زَائِرِينَ لَك فَإِنّهُ مَنْ زَارَنِي بِالْمَدِينَةِ كَانَ فِي جِوَارِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا السّفَرُ الّذِي لَا تَوَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا فَعَلَ عَمّ أَنَسٍ.- وَهُوَ صَنَمُ خَوْلَانَ الّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَهُ- قَالُوا: أَبْشِرْ بَدّلَنَا اللّهُ بِهِ مَا جِئْت بِهِ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنّا بَقَايَا- مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ وَعَجُوزٍ كَبِيرَةٍ- مُتَمَسّكُونَ بِهِ وَلَوْ قَدِمْنَا عَلَيْهِ لَهَدَمْنَاهُ إنْ شَاءَ اللّهُ فَقَدْ كُنّا مِنْهُ فِي غُرُورٍ وَفِتْنَةٍ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَعْظَمَ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ؟ قَالُوا: لَقَدْ رَأَيْتنَا أَسْنَتْنَا حَتّى أَكَلْنَا الرّمّةَ فَجَمَعْنَا مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ وَابْتَعْنَا بِهِ مِائَةَ ثَوْرٍ وَنَحَرْنَاهَا لِعَمّ أَنَسٍ قُرْبَانًا فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ وَتَرَكْنَاهَا تَرِدُهَا السّبَاعُ وَنَحْنُ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ السّبَاعِ فَجَاءَنَا الْغَيْثُ مِنْ سَاعَتِنَا وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْعُشْبَ يُوَارِي الرّجَالَ وَيَقُولُ قَائِلُنَا: أَنْعَمَ عَلَيْنَا عَمّ أَنَسٍ وَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا كَانُوا يَقْسِمُونَ لِصَنَمِهِمْ هَذَا مِنْ أَنْعَامِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَأَنّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ جُزْءًا لَهُ وَجُزْءًا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ قَالُوا: كُنّا نَزْرَعُ الزّرْعَ فَنَجْعَلُ لَهُ وَسَطَهُ فَنُسَمّيهِ لَهُ وَنُسَمّي زَرْعًا آخَرَ حُجْرَةً لِلّهِ فَإِذَا مَالَتْ الرّيحُ فَاَلّذِي سَمّيْنَا لِلّهِ جَعَلْنَاهُ لِعَمّ أَنَسٍ وَإِذَا مَالَتْ الرّيحُ فَاَلّذِي جَعَلْنَاهُ لِعَمّ أَنَسٍ لَمْ نَجْعَلْهُ لِلّهِ فَذَكَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ اللّهَ أَنْزَلَ عَلَيّ فِي ذَلِكَ {وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الْأَنْعَامِ 136] قَالُوا: وَكُنّا نَتَحَاكَمُ إلَيْهِ فَيَتَكَلّمُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تِلْكَ الشّيَاطِينُ تُكَلّمُكُمْ وَسَأَلُوهُ عَنْ فَرَائِضِ الدّينِ فَأَخْبَرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ لِمَنْ جَاوَرُوا وَأَنْ لَا يَظْلِمُوا أَحَدًا. قَالَ فَإِنّ الظّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ وَدّعُوهُ بَعْدَ أَيّامٍ وَأَجَازَهُمْ فَرَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ فَلَمْ يَحُلّوا عُقْدَةً حَتّى هَدَمُوا عَمّ أَنَسٍ.